تجربة بيننفارينا باتيستا نبهتني إلى أمر لم أعره انتباها سابقا، ألا وهو أنه وعلى الرغم من أن دبي هي ربما عاصمة ”السوبركارز“ في العالم، إلا أنه أحيانا يظهر شيء ما يجذب انتباهك. أكاد أجزم أن نسبة السيارات السوبر رياضية هنا، هي الأعلى في العالم. فمن الطبيعي أن ترى سيارات فيراري مكلارين على الشوارع مثلا، وحتى سيارات بوجاتي ليست بالأمر النادر. ولكن حتى هنا، ترى أحيانا سيارات تجعلك تقف وتنظر وتتأمل. سيارات مثل بيننفارينا باتيستا.

بينن…ماذا؟ بيننفارينا. حسنا، درس سريع في التاريخ. باتيستا فارينا كان صاحب ورشة لتصميم وتصنيع أجسام السيارات، حين كان ذلك هو الأمر السائد في عالم السيارات، قبل حوالي قرن من الزمان. فارينا صغير الحجم، أو”بينن“ بالإيطالية، بات من أشهر مصممي السيارات، وابنه سيرجيو سار على خطاه، واشتهر بشكل خاص بفضل تعاونه الوثيق مع أنزو فيراري. شراكة بين عملاقين في عالم صناعة السيارات، أعطتنا بعضا من أروع سيارات فيراري الكلاسيكية على الإطلاق، حيث بإمكانك أن ترى عبارة ”تصميم بيننفارينا“ على جوانب سيارات مثل فيراري F40 وGTO وغيرها.

المعرض: تجربة بيننفارينا باتيستا

واليوم، بيننفارينا بدأت بتحقيق حلم المؤسس باتيستا، بإنتاج سيارة تحمل اسمه، والنتيجة صاروخ بمعنى الكلمة. سيارة سوبر رياضية، تعتمد على الدفع الكهربائي عبر أربعة محركات، تبلغ قوتها 1900 حصان. نعم، هذا ليس خطأ مطبعيا، إنه ألف وتسعمئة حصان، في سيارة رياضية مرخصة للسير على الشوارع العامة.

ولكن بما أنها سيارة تحمل توقيع بيننفارينا، فللتصميم دور مهم. وشكل السيارة، وإن لم يكن ”شرسا“، فهو أنيق ورياضي. والأهم من هذا أنه انسيابي بامتياز، فجاءت السيارة نظيفة الخطوط، خالية من الأجنحة الكبيرة التي تبدو في كثير من السيارات مخصصة للتباهي أكثر من توليد قوة ضغط الهواء، أو ”الداونفورس“.

سيارة التجربة بلونها الأخضر تبدو رائعة تحت أشعة الشمس، ولكن نظرة إلى الخيارات التي توفرها بيننفارينا لزبائنها، تؤكد بأن الخيارات فعليا لا متناهية، سواء من حيث الألوان أو التفاصيل الفنية التي يمكن للزبائن طلبها، خاصة وأن الشركة لن تنتج سوى ١٥٠ نسخة فقط من السيارة، وبالتالي لن يكون هناك أي سيارتين تشبهان بعضهما البعض تماما، إذ أن خيارات المقصورة المختلفة وحدها تنتج ١٢٨ مليون خيار مختلف!

وكما هو الحال في الخارج، فإن مقصورة السيارة هي الأخرى تحفة فنية، تجمع بين الجلد الوثير والكاربون فايبر، والمعدن المصقول بطريقة مميزة. أمام السائق شاشة صغيرة تعرض المعلومات المهمة، وشاشتان إلى الجوانب للتحكم بتجهيزات السيارة. لكن ما يلفت الانتباه هي وضعية الجلوس التي تشبه فعلا سيارات السباقات، حيث ترتفع أرجل السائق قليلا إلى الأعلى، ليجلس في أخفض نقطة ممكنة في السيارة لتحسين مركز الثقل في السيارة، حيث البطاريات موزعة تحت أرجل السائق وبين المقاعد وخلفها.

Pininfarina Battista_Press Images-17
Pininfarina Battista_Press Images-9
Pininfarina Battista_Press Images-15

بيننفارينا باتيستا تندفع عبر أربعة محركات كهربائية، واحد على كل من العجلات الأربعة. المحركات يتم التحكم بها إلكترونيا بالطبع، وبالتالي التماسك عند الانطلاق مذهل، حيث تتولى الإلكترونيات التحكم بالقوة التي تذهب إلى كل من العجلات، لتوفير أعلى قدر من التماسك.

النتيجة أداء مذهل. قدت واختبرت التسارع في العديد من السيارات، ولكن في حياتي لم أقد شيئا يتسارع بهذا الشكل. التسارع إلى ١٠٠ كلم/س يتطلب ١.٨٦ ثانية بحسب الشركة، ولكن أشك في أن هذا الرقم يمكن تحقيقه على الشوارع العامة، بسبب التماسك المطلوب. ولكن التسارع من ١٠٠-٢٠٠ كلم/س هو الذي سيصيبك بالدوار. فالأمر لا يتطلب سوى ٢.٩ ثانية إضافية فقط، بزمن يبلغ ٤.٧ ثانية، أي تقريبا بنفس الزمن الذي تحتاجه سيارات الفورمولا واحد الحديثة!

الكبح أيضا من عالم آخر. السيارة تتوقف من سرعة ١٠٠ كلم/س في ٣١ مترا فقط، لن تنافس سيارات الفورمولا واحد في هذا المجال بالطبع، ولكنه رقم عالمي للسيارات الكهربائية. وإذا ما تجاهلت الدواسة اليسرى وامتلكت الشجاعة الكافية، سترى علامة ٣٥٠ كلم/س على عداد السرعة. 

Pininfarina Battista_Press Images-19
Pininfarina Battista_Press Images-48
Pininfarina Battista_Press Images-18

على الطريق، بإمكانك أن تنسى أي شيء تعرفه عن الاداء العالي. تجربة بيننفارينا باتيستا مختلفة عن أي شيء آخر. إنها مثل ركوب طائرة F-16 مقارنة بطائرة تجارية. كلاهما تطير، ولكن الفرق شاسع. الصوت الإلكتروني لا داعي له فعليا. تركيزك الكامل سينصب على الطريق أمامك، والذي تلتهمه السيارة بسرعة. كل ما يتطلبه الأمر هو تحريك قدمك بضعة سنتيمترات لترى الأفق يملأ الزجاج الأمامي، والسيارات البعيدة أمامك تتحول إلى نقاط صغيرة خلفك. أنا أتخيل فقط النظرة على وجوه سائقي السيارات الذين تجاوزتهم! بعد بضعة كيلومترات، تبدأ بالتساؤل إن كان من المنطقي قيادة سيارة تكاد تقترب بأدائها من سرعة سيارات الفورمولا واحد على الطريق العام.

Pininfarina Battista_Press Images-41

العلاقة مع سيارات الفورمولا واحد لا تقتصر على أرقام الاداء. فسائق الفورمولا واحد السابق، نيك هايدفيلد، هو من وقف خلف تطوير ديناميكيات السيارة، ولست هنا في صدد التعليق على التحكم بالسيارة لسببين: أولا أنني لست بمهارة هايدفيلد لأختبر حدود السيارة الديناميكية القصوى، وثانيا، لأن تجربة السيارة كانت في إمارة رأس الخيمة، والتي وعلى الرغم من أنها ليست مثل دبي، حيث الشوارع المستقيمة لا متناهية، إلا أنها أيضا ليست طرقات متعرجة بالمعنى الصحيح، وبالتالي لم أتمكن خلال التجربة القصيرة من الدفع بالسيارة إلى حدودها القصوى. ولكن بإمكاني أن أؤكد أن التماسك ممتاز، وأن السيارة تعطيك شعور قيادة سيارة خارقة فعلا، وإن كانت المقصورة على السرعات العالية تبث بعض الارتجاجات في لوحة القيادة، والمكابح تحتاج لبعض الوقت للاعتياد عليها والوثوق بها، إذ أنها لا تعطيك الشعور الباعث على الثقة الذي تشعر به في غالبية السيارات السوبر رياضية.

غالبية من سيدفعون ٢.٢ مليون يورو للحصول على واحدة من الـ ١٥٠ سيارة التي ستنتجها الشركة لن يبالوا كثيرا بذلك. ما يهتمون به هو التميز، وهو الأمر الذي توفره بيننفارينا باتيستا. بالنسبة لهم، يريدون التميز عبر اقتناء سيارة خارقة تحمل اسما عريقا في عالم السيارات، وفي طياتها تحمل أداء لا ينافسه أحد، وهذا تماما ما توفره بننفارينا باتيستا الخارقة، حتى في دبي.

_SS_0784