بالإضافة إلى الساحرات الحمراوات اللاتي ينتجن في مارانيللو، وكأي فتى في العقد الأول أو الثاني من عمره، لعبت لامبورجيني في مخيلتي دور السيارة التي حوّلت بفضل ما تتمتع به من تصميم ملهم، خطوط جريئة وأداء ميكانيكي متفوق هذه الآلة الساحرة من مجرد وسيلة يستخدمها المثال الأعلى في الحياة - الذي هو دائماً الأب – للقيام بنزهات ممتعة مع العائلة، إلى آلة لا تكتفي بنقل البشر من نقطة جغرافية إلى أخرى، بل من الرتابة إلى عالم مليء بالمتعة والإثارة. ولكن، وإذا كان هذا التصميم الملهم وتلك الخطوط الجريئة هما اللذان جعلاني أُعجب بهذه السيارات في البداية، فإنّ ما دفعني للوقوع في غرامها لاحقاً هي متعة القيادة الرياضية، خاصةً إذا ما كانت هذه الأخيرة تأتي من خلال سيارة تتمتع بتركيبة ميكانيكية بسيطة، أي بمعنى آخر النوع الذي بات شبه منقرض اليوم، إلا أنه وإذا كانت عملية إنتاج سيارة رياضية لا تتقاطع تجربة قيادتها الديناميكية المثيرة مع تجهيزات إلكترونية معقدة أمراً مستحيلاً هذه الأيام، فإنّ الحل الذي على كل صانع تخاطب سياراته وجدان السائق الرياضي أن يتبعه لن يكون سوى عبر التقليل من المكونات الميكانيكية التي تتطلب تدخلاً من التجهيزات الالكترونية، تجهيزات من شأنها أن تُضعف دور السائق، وهذا تحديداً ما فعلته لامبورجيني مع هوركان أيفو RWD ذات الدفع الخلفي والتي، وإن تنازلت قوتها عن بعض الأحصنة، تنازلت قدرتها على التسارع عن بعض الأجزاء من الثانية وتنازلت انقياديتها عن بعض التماسك، إلا أنها لم تتنازل عن متعة القيادة، أي عن أهم ما يميز السيارات الرياضية الفائقة الأداء والسبب الرئيسي الذي يدفعنا لنعشق عالمها الساحر.
المعرض: لامبورجيني هوركان بالدفع الخلفي
ومتعة القيادة الرياضية هي الأمر الأول الذي لاحظته ما أن ضغطت على دواسة الوقود فوق طريق مفتوحة (طبعاً بعد أن كنت قد لاحظت الخطوط الرائعة للسيارة من الخارج) وذلك على العكس من تجربتي السابقة مع الفئة ذات الدفع الرباعي خلال قيادتي لها على طرقات منطقة الطويين المتعرجة، حيث عانت السيارة هناك من انحراف مقدمتها عن المسار المحدد في كل مرة دفعني فيها الحماس الزائد على الخوض في المنعطفات بسرعةٍ عالية نسبياً. فاليوم وعلى متن فئة الدفع الخلفي، وبفضل نزع عمود القيادة الذي كان يزوّد المحور الأمامي بالقوة، أصبحت المقدمة أخف وزناً بمقدار 33 كلغ، وبالتالي ساهم هذا الأمر بالحد من ظاهرة الانزلاق الأمامي التي ذكرناها، ونتيجةً لذلك بات الوزن الإجمالي يقف عند 1,509 كلغ (للفئة المكشوفة سبايدر) مع توزيع بنسبة 40/60 ما بين الأمام والخلف، مقارنةً بـ 43/57 في هوركان الأساسية والتي تمتعت بتوزيع أفضل بسبب وجود المحور الأمامي، علماً أنّ مهندسي لامبورجيني عمدوا لتقليل صلابة النوابض الأمامية بنسبة 10 بالمئة، الأمر الذي ساهم بالتقليل من ظاهرة قفز المقدمة نحو الأمام عند الكبح العنيف على مشارف المنعطفات وخسارة القدرة على تماسك الإطارات الأمامية مع سطح الأرض.

وإذا كان خطر الانزلاق الأمامي قد عولج مع هوركان الجديدة، فإنّ الانزلاقات الخلفية الممتعة أصبحت قابلة للتنفيذ عندما يرغب السائق بذلك، ولكن طبعاً بعد إيقاف عمل الأجهزة المساعدة على التماسك، فعندها يمكن للسيارة أن تتحول لآلة مخصّصة لتوليد المتعة، ولعل ما يعزز من عامل المتعة خلف مقود السيارة هو وضعية القيادة الممتازة التي تتوفر لها مع مجالات رؤية أمامية ممتازة تتوفر من خلال الواجهة الأمامية الواسعة وانخفاض حافة الأبواب من ناحية الأمام، علماً أنّ تصميم سقف السيارة المنخفض سمح بجعل زاوية انحدار العمود A الأمامي بشدة نحو الأمام، الأمر الذي يؤمن للسائق شعوراً بالأمان الناجم عن إحساسه بأنه يجلس بعيداً عن المقدمة ولكن مع مستويات رؤية أمامية ممتازة كما ذكرنا، وهناك أيضاً أمراً آخراً توفره زاوية انحدار العمود الأمامي وهو أنّ الأخير بوضعيته يبدو وكأنه يشير إلى مكان تواجد العجلة الأمامية، الأمر الذي يساعد السائق على تحديد مكانها، وبالتالي وضعها في الوضعية الأمثل بالنسبة للمنعطف عند القيادة الديناميكية السريعة.
وفي مقابل الرؤية الأمامية الممتازة والتي تؤمن شعوراً عالياً بالأمان للسائق، تفتقر هوركان أيفو لأي إمكانية توفير معلومات للسائق عما يوجد خلفه عند القيادة وذلك لأن المرآة الوسطية تبقى غير قادرة على عكس ما يجري في الخلف، فبدلاً من ذلك ستجدها تعكس كل من الغطاء الخلفي والزجاج الفاصل بين حجرة المحرك والمقصورة.

وعند القيادة على النمط السباقي "كورسا"، تتصرف السيارة بشكلٍ عدائي مع الطريق ولكن مع دقة توجيه عالية تتوفر بفضل الوزن الأخف فوق العجلات الأمامية ونظام التوجيه الكهربائي المدروس، وهنا لا بد من الإشارة إلى أنّ نظام التوجيه الكهربائي على متن السيارة يعمل بشكلٍ أفضل من النظام الديناميكي الاختياري كون الأول يؤمن للسائق إحساس رائع بما يحدث للعجلات الأمامية.
ومن جهته، نال نظام التحكم بالتماسك نصيبه من التعديلات وبات يتيح للسائق الحصول على انزلاقات جانبية عند المنعطفات بسهولة تامة، فكل ما عليك القيام به في هذا المجال هو الاقتراب من المنعطف بسرعةٍ عالية ومن ثم خفض نسب التروس إلى الثانية أو حتى الثالثة وتحريك المقود والضغط بأقصى قوة على دواسة الوقود لتقوم السيارة بما يجب أن يقوم به ثور هائج لا يعرف الرحمة.
وفي مقابل النمط السباقي "كورسا"، توفر هوركان أيفو نمطي قيادة آخرين هما النمط الرياضي "سبورت" الذي يخفف من حدة عدائية السيارة بنسبة قليلة، والنمط المخصّص للقيادة العادية أو "سترادا". ورغم أنّ هذا النمط هو الذي يسمح للسائق أن يستخدم السيارة في تنقلات عادية على الطرقات، إلا أنّ السيارة تأبى الاستجابة لمتطلبات القيادة العادية وتبقي المحرك يدور على سرعاتٍ عالية نسبياً، حتى خلال السير على النسبة السابعة والأخيرة بين نسب علبة التروس وكأنها تقول للسائق: "نطاق عملي لا يتضمن التنقلات اليومية لذا عليك الانطلاق بي بأقصى سرعة على الحلبات أو فوق الطرقات المفتوحة".
على الصعيد الميكانيكي، يستفيد ثور لامبورجيني الهائج الذي تتابعون تقريره هنا من محرك بتنفس عادي يتألف من عشر أسطوانات سعة 5.2 ليتر يولد قوة 610 حصاناً على سرعة دوران محرك تبلغ 8,000 دورة في الدقيقة مقابل عزم دوران أقصى يبلغ 560 نيوتن متر على سرعة دوران تبلغ 6,500 دورة في الدقيقة، الأمر الذي يسمح للسيارة وبالتعاون مع الوزن الأقصى البالغ 1,389 كلغ بالانطلاق إلى سرعة 100 كلم/س خلال 3.5 ثانية، ثم الوصول إلى سرعة قصوى تبلغ 324 كلم/س.

وبما أنّ الحديث اليوم هو عن لامبورجيني، تلك الشركة التي عُرفت منذ بدايتها بأنها توفر لسياراتها تصاميم رائعة بدأت مع طراز 350 GT ولم تتوقف مع طراز أفينتادور، فلا بد لنا من وقفة مع تصميم هوركان الخارجي لنشير إلى أنّ سيارات لامبورجيني الرائعة التصميم كانت دوماً السيارات الأكبر لدى الشركة، أي تلك المزوّدة بمحرك من اثنتي عشر أسطوانة. أما الطرازات الأقل شأناً، كـ جلبا وغاياردو، فلم تكن يوماً بنفس مستوى أساطير الثور الهائج، ولكن مع هوركان يمكنني القول - ودائماً تبعاً لرأيي الشخصي – بأنّ الطراز الأصغر من الصانع الايطالي أصبح ولأول مرة يتمتع بخطوط تقطع الأنفاس.
هذا من الخارج أما من الداخل، فلا يوجد في LP 580-2 أي تغييرات تذكر بالمقارنة مع شقيقتها ذات الدفع الرباعي، أي أنها تأتي مع كميات كبيرة من الجلد الفاخر وقماش الألكنتارا الغني عن التعريف، فضلاً عن احتلال شاشة رقمية كبيرة لمكان لوحة العدّادات مع قدرتها على عرض وتوفير أدق وكامل المعلومات اللازمة للسائق.
ومع الوصول إلى الأمتار الأخيرة من تجربة القيادة، لا يسعني سوى القول بأنني اكتشفت مع هوركان أيفو RWD وفية أكثر لتاريخ علامة الثور الهائج الذي نتمنى أن يبقى هائجاً.
لامبورجيني هوراكان إيفو RWD