رغم نجاحاتها الكبيرة في عالم سباقات الفورمولا وان، إلا أنّ شخصية مرسيدس الرياضية في قطاع مركبات الإنتاج التجاري المخصّص للطرقات تعيش منذ مطلع القرن الحالي حيرة كبيرة وتتخبط بمحاولاتٍ فاشلة تليها عمليات تقييم غير موفّقة تضل في النهاية طريقها لتحدّد سبب الخطأ في غير مكانه الحقيقي. البداية كانت مع طراز أس أل أر الذي تم تطويره بالتعاون مع ماكلارين خلال فترة تعاون الصانع الألماني مع الفريق البريطاني الشهير في نهاية التسعينات من القرن الماضي ومطلع الألفية الحالية على شكل سيارة رياضية خارقة تضع نصب أعينها منافسة طرازات من عيار فيراري أنزو وبورشه كاريرا جي تي. بعدها وعندما حان موعد إستبدال السيارة،  خفّضت مرسيدس مستوى طموحها مع طراز أس أل أس الذي إستهدف بمنافسته طرازات لا تزيد أهمية عن فيراري 458، ماكلارين أم بي 4 12 سي وربما بورشه 911 تيربو، ثم وبشكلٍ مفاجئ معزز بكميات مفرطة من الطموح الغير مبرر (لا تاريخيًا ولا تقنيًا) قررت علامة النجمة الثلاثية، التي تتخذ من شتوتغارات مقرًا لها، أن تخفض مرة أخرى مستوى المنافسة نحو فئات المدخل لقطاع السيارات الرياضية وتدعي أنها مع طراز جي تي ستنافس صاحبة الجلالة في هذه الفئة بورشه 911 الأسطورية المميزة، ولكن طبعًا دون أن تتمكن من تحقيق ذلك ولا بأي شكل من الأشكال.

المعرض: مرسيدس أس أل 2022

 وبالتزامن مع ذلك، قررت من جهة أخرى أن تستثمر نجاحاتها فوق حلبات الفورمولا وان، وأن تنقل هذا النجاح إلى الطريق مع طراز أي أم جي وان الذي زودته بنفس المجموعة الهجينة التي تتوفر لسياراتها السباقية التي تبلي بلاءً حسنًا أيام الأحاد على الحلبة، ويغيب عن بالها أنّ عملية تهجين محركات السباق لجعلها قادرة على مواجهة متطلبات الحياة اليومية هي عملية بالغة التعقيد بل وقد تكون مستحيلة، الأمر الذي يثبته تأخر تسليم نسخ طراز أي أم جي وان للعملاء حتى الساعة، وهنا لا بد من طرح السؤال، ماذا بعد تسليم السيارات إلى العملاء، إن حصل قريبًا، وما الذي سيحصل عليه العملاء بعد طول الإنتظار؟  أن جل ما سيحصل عليه سعداء الحظ هؤلاء هو سيارة مجهزة بمحرك صغير مدعّم بمنظومة كهربائية ضمن تركيبة، وإن كانت مستمدة من عالم سباقات الفئة الأولى، إلا أنها لا تليق أبدًا بعالم السيارات الرياضية الفائقة، ذلك العالم الذي يعشق الأرقام الرنانة تمامًا كما يعشق اللامألوف، ومحرك من ست أسطوانات سعة 1.6 ليتر كمحرك أي أم جي وان لا يمكن بأي شكل من الأشكال وصفه باللامألوف.

 ما تقدم، إن دل على شيء فهو يدل على أنّ عمليات إعادة تقييم المشاريع لدى الصانع الالماني بعد إستشعار الفشل أو الإعتقاد بوجوده هي بالحد الأدنى غير موفقة، ولعل هذا ما حدث مع الجيل الأحدث من مرسيدس أس أل، إذ أن فشل الجيل الأخير من رودستر مرسيدس المحببة لقلوب الملايين لم يكن فقط بسبب تحوّل ذوق عشاق السيارات بعيدًا عن هذا النوع من وسائل النقل، فهذه الفئة من السيارات لا يمكنها ولا بأي شكل من الأشكال أو زمن من الأزمان منافسة السيارات التي تجمع بين الروح الرياضية والعملانية كمركبات الإستخدام المتعدد، فمشكلة أس أل الحقيقية هي أنّ الجيل الأخير منها كان بكل بساطة غير مثير تصميميًا كما كان الحال مع الجيل أر 230 الذي سبقه، ذلك الجيل الذي وللمناسبة كان يعتمد على نفس المفهوم الهندسي ولكن مع خطوط خارجية أقل ما يقال فيها أنها كانت ساحرة. فإذًا المشكلة ليست في مفهوم أس أل بشكلٍ عام، إنما في ضعف تصميم الجيل أر 231 (السابق).

ولكن لا، يأبى أصحاب التقييم، ثم القرار لدى مرسيدس إلا أن يضلو الطريق مرة أخرى، فهم حكموا بأنّ المشكلة في أس أل هي السقف المعدني القابل للطي والخطوط الخارجية المميزة والساحرة ليقرروا إطلاق الجيل الأحدث منها بخطوط خارجية تبدو وكأنها تعود لفئة مخفّفة الأهمية من طراز أي أم جي جي تي مع سقف قماشي لن يستمر بحالة فنية جيّدة على السيارة لأكثر من بضع سنوات قبل أن يتمدد ويتقلص مع تغير حالة الطقس ليبدأ بممارسة هوايته المفضلة التي تتلخص بنقل ضجيج الطريق إلى المقصورة وتركها عرضةً لتسلل الرياح والامطار.

21C0727_008

والآن وبعيدًا عن مسألة الشكل الخارجي والسحر المفقود، لا بد أن نذكر بأنّ أس أل 2022 هي بالتأكيد سيارة رياضية جيّدة، إذ أنها تحتوي على محرك مرسيدس الشهير ذو الأسطوانات الثماني سعة 4.0 لتر بشاحن توربيني مزدوج، والذي يزود فئة القاعدة من السيارة أس أل 55 بقوة 469 حصان، ترتفع إلى 577 حصانًا في الفئة أس أل 63. وفي كلا الفئتين، تنقل علبة تروس أوتوماتيكية من تسع نسب  الطاقة إلى نظام الدفع الرباعي القياسي بمواصفات أي أم جي، وهو الأول من نوعه في السيارة.

ولكن للأسف، فإنّ أس أل لا تستفيد من نظام مرسيدس الهجين نسبيًا الذي يسمح بتوفير العزم للسيارة في الوقت الذي يكون فيه محرك الإحتراق الداخلي يعمل بدوران منخفض والسبب هو عدم إمكانية تزويد السيارة بهذا النظام ودمجه بمنظومتها الميكانيكية المعقّدة.

مقصورة أس أل كلاسيكية ذات أربعة مقاعد قابلة للكشف، مع كونسول مركزي طويل وعريض يقسم المقصورة، وتعزز ألياف الكربون والزخرفة السوداء الشكل الرياضي للمقصورة، أما فتحات التكييف فتتمتع بتصميم مثير مستوحى من التوربينات. هذا وتكثر اللمسات المعدنية الحقيقية - من شبكات مكبرات الصوت لنظام الصوت إلى محيط فتحة التهوية وتطعيمات المقود.

21C0727_002

وما أن تعمد لفتح سقف السيارة القماشي، حتى تتخذ الشاشة التي تعمل باللّمس مقاس 11.9 بوصة زاوية مرتفعة أكثر استقامة بمقدار 32 درجة، مما يساعد على التخلص من الوهج وتوفير رؤية واضحة تسهل عملية التحكم بوظائف السيارة. علمًا أنّ جميع فئات أس أل تأتي مع نظام MBUX الجديد للمعلومات والترفيه من مرسيدس، والمكتمل بالمساعد الافتراضي للنظام "هاي مرسيدس" ويتم أيضًا تضمين نظامي أبل كار بلاي وأندرويد أوتو.

وكما ذكرنا، قررت مرسيدس إستبدال السقف الصلب القابل للطي في طراز أس أل السابق بسقف قماشي جديد مكوّن من ثلاث طبقات. ورغم أنّ هذا الأمر ساهم بخفض وزن السقف بمقدار 20 كلغ وسرع عملية فتح السقف وإغلاقه بمقدار 5 ثواني ويسمح بتنفيذ هذه العملية خلال سير السيارة على سرعة أعلى بالمقارنة مع السقف الصلب، إلا أنّ الأخير يتمتع بمظهر أكثر أناقة من شأنه أن يرفع مستوى السيارة من جهة وعزلها عن الخارج بشكلٍ أفضل وأكثر أمانًا.

وفي الختام، لا بد أن نذكر بأنّ مرسيدس أس أل بجيلها الأحدث ربما قد تكون عادت من حيث التصميم والنفس الرياضي إلى جذور هذا الطراز الذي بدأ حياته في خمسينات القرن الماضي، إلا أنّ المشكلة هي أنّ طراز أي أم جي جي تي كان قد سبقها إلى هناك وهو يلعب هذا الدور بأفضل ما يكون، لذا ألم يكن من الأجدى توفير فئة مخفّفة رياضيًا ضمن فئات جي تي والإبقاء على الدور المميز الذي لعبته أس أل بأجيالها السابقة، والتي كانت تتمتع بشخصية فريدة على صعيد التصميم الساحر والأداء الرياضي المريح الذي يسمح لها بأن تكون وسيلة التنقل المثالية لعشاق التميز.